لجنة المعتقلين
تُعدّ قضية المعتقلين/ات والمختفين/ات قسرياً في سوريا، من أكثر القضايا الإنسانية مأساوية، ووصمة عار على جبين الإنسانية والمجتمع الدولي، وهي قضية فوق تفاوضية إلزامية تسبق أي مفاوضات، وتُمهّد لعملية سياسية ذات مصداقية، وفق القرارات الدولية وخاصة بيان جنيف والقرار الأممي 2254، وحل هذه القضية بشكل نهائي وحازم هو اللبنة الأساسية لبناء الثقة، وتأكيد على الإرادة الحقيقية للمضيّ قدماً تجاه الحل السياسي الشامل.
ولأهمية وخطورة هذه القضية بالنسبة للسوريين، شكّلتْ هيئة التفاوض السورية، التي تُعد الكيان التفاوضي السوري منذ عام 2016 “لجنة المعتقلين والمفقودين”، كي تنطلق من أولوية قضية المعتقلين وضرورة متابعتها، وإيجاد حلول جذرية لها تُرضي السوريين وتُنهي آلام مئات الآلاف من المتضررين من هذه القضية المأساوية، وصولاً إلى تحقيق المساءلة والمحاسبة لضمان عدم الإفلات من العقاب، وتحقيق العدالة للسوريين الذين خبروا الاعتقال أو الاختفاء القسري.
تتألف “لجنة المعتقلين والمفقودين” من أعضاء من مختلف مكونات هيئة التفاوض السورية، وترأسها عضو هيئة التفاوض السيدة أليس مفرّج، وتضم أيضاً:
- خبراء وخبيرات من المجتمع المدني.
- حقوقيون وناشطون من كل أنحاء الجغرافيا السورية.
- تتشارك العمل مع المنظمات الحقوقية السورية المعنية بقضية المعتقلين.
- تتواصل مع منظمات دولية وخبراء مختصين بالقوانين الدولية وحقوق الإنسان.
- تتعاون مع المنظمات الدولية والأممية، وتعمل مع صنّاع القرار الدوليين.
تعمل “لجنة المعتقلين والمفقودين” في هيئة التفاوض على تلازم وتكامل المسارات السورية من منظمات المجتمع المدني والمنظمات الحقوقية، وتتعاون مع المبادرات المحلية وروابط الضحايا، ومرجعيتها القرارات الأممية ذات الصلة، تحت مظلة الحل السياسي الشامل، بهدف الوصول إلى الإفراج عن المعتقلين، والكشف عن مصير المختفين قسرياً في سوريا، وتولي اهتماماً كبيراً لاحتياجات المعتقلات وحقوقهن، وما تعرضن له من الإقصاء والتمييز والعنف الجنسي بشكل عام، وتعمل من منطلق أنّ أولوية قضية المعتقلين تتقاطع مع جميع ملفات الانتقال السياسي، كملف البيئة الآمنة والمحايدة، وملف الانتخابات، وملف العدالة الانتقالية والمحاسبة والمساءلة.
تستند “لجنة المعتقلين والمفقودين” إلى المشاورات المستمرة مع مختلف المنظمات والشبكات السورية، لضمان مشاركة فعّالة من جميع الأطراف السورية، وربطها بالمسار الدولي، وتقوم بفعاليات على هامش مجلس حقوق الإنسان وفي الأمم المتحدة ومجلس الأمن، وتدعم تشكيل المؤسسة الدولية لشؤون المفقودين، وتعمل على تحضير الملفات المرتبطة بقضية الاعتقال والاختفاء القسري في الإطار التقني في البنية الدستورية والتشريعية المتعلقة بها.
تُشكّل قرارات مجلس الأمن، وتقارير اللجنة الدولية المستقلة، استكمالاً لما أكّدتْ عليه معظم الوثائق والتقارير الأممية، كبيان جنيف 1 لعام 2012، وبيانات المجموعة الدولية لدعم سوريا (بيانا فيينا)، وتقارير مجلس الأمن وتقارير الأمين العام للأمم المتحدة، مرجعية لـ “لجنة المعتقلين والمفقودين”، حيث تضمّنت معظم هذه الأدبيات توصيف ما يحدث في سوريا بأنّها جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، مع أشد عبارات الاستنكار والإدانة.
تؤمن “لجنة المعتقلين والمفقودين” أنّه على الرغم من أنّ النظام السوري يتحمّل المسؤولية الأساسية في ملف الاعتقال والاختفاء القسري والجرائم الجسيمة المرتبطة بهذا الملف، إلا أنّه يجب في أي حل شامل لملف المعتقلين/ات والمختفين/ات قسرياً، أنّ يتم التعامل مع انتهاكات الاعتقال والاختفاء القسري لدى جميع أطراف النزاع من أجل ضمان استدامة السلام.
خلفية:
بحسب تقارير المنظمات المحلية والدولية المختصة بحقوق الإنسان، تقدّر أعداد المعتقلين/ات والمختفين/ات قسرياً منذ انطلاق الثورة عام 2011 بأكثر من 140 ألف سوري وسورية، لا يُعرف مصير معظمهم حتى الآن، حيث تحولت عمليات الاعتقال التعسفي إلى اختفاء قسري بنسبة 80 بالمئة.
توثّق تقارير اللجنة الدولية المستقلة الممارسات السائدة في السجون السورية والمعتقلات لدى النظام السوري، وأطراف النزاع الأخرى، كالعزل والتعذيب والمعاملة اللاإنسانية والمهينة والعنف الجنسي والعنف المبني على النوع الاجتماعي واستخدامه كسلاح حرب، والقتل تحت التعذيب والإعدامات الميدانية.
لقد شكّلت منهجية النظام السوري في تعامله مع قضية المعتقلين/ات والمختفيين/ات قسرياً، انتهاكاً للقانون الدولي لحقوق الإنسان، وجريمة ضد الإنسانية، كآلية ممنهجة وواسعة النطاق، كما شكّلتْ انتهاكاً للقانون الدولي الإنساني، ولا سيّما المادة الثالثة المشتركة لاتفاقيات جنيف، وتُعد جريمة حرب حسب نظام روما للمحكمة الجنائية الدولية، خاصة بما يتعلق بطرق الاحتجاز، والعزل والتعذيب والمعاملة اللاإنسانية، والمهينة والعنف الجنسي، والقتل تحت التعذيب، إضافةً إلى أنّها تُشكّل انتهاكاً صارخاً لالتزامات الدولة السورية بموجب الاتفاقيات التي صادقت عليها، وخاصة العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، واتفاقية مناهضة التعذيب، وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية المهينة.
ومنذ عام 2011 وحتى اليوم، طالبت الوثائق الدولية المتعاقبة المتعلقة بالقضية السورية، ومعظم قرارات مجلس الأمن ذات الصلة، بالإفراج الفوري عن جميع المعتقلين والمختفين وخاصة النساء والأطفال، كما اعتمد مجلس الأمن الدولي القرار 2474/2019، كأول قرار حول المفقودين\ات نتيجة النزاعات المسلحة، تضمن إجراءات وتدابير يجب اتخاذها للكشف عن مصير المفقودين في جميع دول العالم التي مرت وما زالت تمر بنزاعات مسلحة. وفي الحالة السورية، تستند “لجنة المعتقلين والمفقودين” إلى هذا القرار لما يُشكّله من مرجعية قانونية ومعيارية ملزمة لجميع الأطراف والدول.
وعلى الرغم من وجود بيان جنيف وكثير من القرارات الأممية، وعلى رأسها القرار 2254، وجميعها أكّدتْ أنّ إطلاق سراح المعتقلين والكشف عن مصير المختفين قسرياً هو أمر فوق تفاوضي، ويجب أنّ يتم قبل أي حل سياسي لبناء الثقة، إلا أنّه لم يتم إحراز أيّ تقدم في هذا الملف، ولم تستطع الدول والمنظمات الدولية العاملة في هذا الشأن، وخاصة اللجنة الدولية للصليب الأحمر، واللجنة الدولية لشؤون المفقودين، من الوصول إلى مراكز الاحتجاز والاعتقال لدى النظام السوري، أو المساهمة في إطلاق سراح المعتقلين/ات ومعرفة مصير المختفين\ات قسرياً.
تعمل “لجنة المعتقلين والمفقودين” في هيئة التفاوض وفق قناعة تامّة بأنّ الحل السياسي وفق القرارات الدولية سيُطبق عاجلاً أو آجلاً، ولهذا فإنّها لا تتقاعس في طرق كل الأبواب واستخدام كل الوسائل لإيجاد حل عادل لقضية المعتقلين والمختفين قسرياً قبل الحل السياسي، وكتمهيد إلزامي له، إذ لا يمكن الوصول إلى حل دائم ومستدام بدون التوصل إلى حل جذري أساسه إطلاق سراح المعتقلين/ات فوراً، والكشف عن مصير المختفين/ات قسرياً في كل سوريا.