على الرغم مما تعتقده إيطاليا واليونان والنمسا، فإن سوريا ليست آمنة للعودة

مقال رأي للدكتور بدر جاموس لموقع يورو اوبزيرفر

لقد شهدنا دعوات من بعض الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي ــ وتحديداً إيطاليا والنمسا وكرواتيا وقبرص وجمهورية التشيك واليونان وسلوفينيا وسلوفاكيا ــ لتطبيع العلاقات مع نظام الأسد بزعم أن هذا من شأنه أن يساعد في خفض عبء اللاجئين السوريين على أوروبا.

إنَّ التطبيع مع نظام إجرامي لا يمكن أن يحل مشكلة تدفق اللاجئين إلى أوروبا، ولا يجلب أي تخفيف للأزمة الإنسانية في سوريا، وينطبق الأمر نفسه على مبادرات “التعافي المبكر”، التي تسعى إلى الاستثمار في بلد يعاني من التفكك بفضل دولة فاسدة للغاية تشرف على انتشار الميليشيات والكبتاجون [مخدر فينيتيلين]، الأمر الذي يزيد من تفاقم الوضع الإنساني الكارثي في ​​سوريا.

وفي غياب أي تقدم في تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 2254 والحل السياسي، فإن أي خطوة نحو التطبيع مع نظام الأسد من شأنها أن تقوض آفاق السلام والاستقرار والازدهار، ومن الواضح أن سوريا، وفقاً لجميع التقديرات، ليست مكاناً آمناً لعودة اللاجئين.

وكما قال مبعوث الأمم المتحدة مؤخراً لمجلس الأمن، فإن سوريا “تعج بالجهات المسلحة، والجماعات الإرهابية المدرجة، والجيوش الأجنبية وخطوط التماس […] وما زال المدنيون ضحايا للعنف ويتعرضون لانتهاكات واسعة النطاق لحقوق الإنسان، وحالة طويلة الأمد من النزوح وظروف إنسانية مزرية”.

وفي هذا السياق، أصدرت محكمة العدل الأوروبية في أكتوبر/تشرين الأول حكماً جاء فيه أن أي دولة ثالثة للعودة لا يمكن اعتبارها “آمنة” إلا إذا كان التقييم ينطبق على كامل أراضي الدولة.

وبحسب تقديراتنا، لا يسيطر نظام الأسد الآن إلا على نحو 50% من أراضي سوريا وسكانها، ولا تزال أجزاء كبيرة من البلاد عرضة للعنف المستمر مع ظروف معيشية كارثية.

إنَّ مكافأة نظام الأسد وروسيا بالتطبيع لن يساعد إلا في ترسيخ الانقسامات في سوريا وتدهور الأوضاع الإنسانية، وفي غياب حل سياسي، لن يؤدي التطبيع إلا إلى تفاقم الوضع بالنسبة لسوريا وأوروبا.

ثمة كثير من المخاطر السياسية الكبيرة المترتبة على التعامل مع نظام الأسد، ليس أقلها أن أي استثمار أو إعادة إعمار سوف يعود بالنفع المباشر على نظام الأسد وشبكته الفاسدة من المسؤولين ورجال الأعمال والعسكريين.

ثقب أسود فاسد

بدون ضمانات أو التزامات من النظام وروسيا، فإن الاستثمار في سوريا أثناء بقاء الأسد في السلطة هو لعبة خاسرة ــ ثقب أسود تختفي فيه الاستثمارات الدولية والمساعدات والقروض في جيوب قِلة من الناس.

إنَّ هذا الفساد لن يؤدي إلا إلى تعميق مشاكل البلاد من دون أي تنازلات أو التزامات من النظام نحو حل سياسي لأزمة البلاد. وعلاوة على ذلك، فإن التطبيع يهدّد بإدانة سوريا لمستقبل قاتم في ظل نظام الأسد الذي لن يرغب أي سوري في العودة إليه، وهي الخطوة التي قد تؤدي فقط إلى تفاقم أزمة اللاجئين في أوروبا.

نحن ندرك أن الهجرة وتدفقات اللاجئين تشكل قضية ملحة للغاية بالنسبة لأوروبا، ولكن على الرغم من أن هذه القرارات صحيحة وواقعية، فلا يوجد شيء نود أن نراه أكثر من عودة السوريين لبناء مستقبل سوريا. لقد فر عدد من اللاجئين السوريين من الأهوال والوحشية التي لا توصف على أيدي نظام الأسد، ولن يشعروا أبداً بالأمان للعودة حتى يكون هناك انتقال سياسي سلمي وعادل.

اللاءات الثلاث

ولكن هذا ليس احتمالاً بعيداً على الرغم من الوضع المزري الذي تعيشه البلاد، بيد أنه يتطلب قيادة أوروبية ودولية متجددة بشأن سوريا. فبعد 13 عاماً من اندلاع الانتفاضة السورية، تظل البلاد ذات أهمية بالغة بالنسبة للمنطقة والمجتمع الدولي الأوسع نطاقاً، ولا ينبغي التخلي عنها وتركها على مسار الدمار في ظل هذا النظام.

وتؤيد إستراتيجية الاتحاد الأوروبي الحالية بشأن سوريا “اللاءات الثلاث” كشروط لانخراط الاتحاد الأوروبي، وتستند إلى افتراض مفاده أنه “لا يمكن أن يكون هناك سلام دائم في سوريا في ظل النظام الحالي”.

ولم تطرأ أي تغييرات كبيرة على الوضع في سوريا تستدعي مراجعة هذا التقييم. ويظل الوضع في سوريا والمنطقة الأوسع يشكل أهمية بالغة بالنسبة لأمن أوروبا، ولا تزال الأهداف التي حددتها إستراتيجية الاتحاد الأوروبي بشأن سوريا في عام 2017 ذات صلة اليوم كما كانت آنذاك.

إنَّ الأولوية بالنسبة للمجتمع الدولي متفق عليها في قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2254، ومهمتنا الجماعية الآن يجب أن تنصب على إعادة الزخم الدبلوماسي نحو العملية السياسية التي تقودها الأمم المتحدة.

هذا هو السبيل الوحيد الذي يقدّم مستقبلًا أفضل لكل من سوريا والاتحاد الأوروبي.

إنَّ الوضع في جميع أنحاء المنطقة يعاني من عدم الاستقرار، وفي جوارنا؛ تلوح احتمالات حرب إقليمية كبرى في الأفق.

نحن بأمس الحاجة، أكثر من أي وقت مضى، لحلفائنا وشركائنا لإعادة تركيز جهودهم على الحل السياسي.

وفي هذا الصدد، لاحظنا الأخبار الأخيرة التي تفيد بأن الاتحاد الأوروبي سيعين مبعوثًا خاصًا لسوريا. ونحن نتطلّع إلى العمل مع المبعوث بتصميم متجدّد لدفع العملية السياسية بموجب قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2254، فضلاً عن الخطوات العاجلة الأخرى اللازمة للتخفيف من الكارثة الإنسانية في جميع أرجاء البلاد.